في السنوات الأخيرة، عززت شركة *ميتا* (المعروفة سابقًا باسم فيسبوك) مكانتها كواحدة من الشركات الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، عبر سلسلة من الابتكارات التي تهدف إلى تحسين منتجاتها وتعزيز الأبحاث المفتوحة المصدر. وفي عام 2023، تواصل الشركة تسريع وتيرة إنجازاتها في هذا المجال، مع تركيز واضح على النماذج اللغوية الكبيرة، والذكاء الاصطناعي متعدد الوسائط، وتطوير البنية التحتية الحاسوبية المتقدمة.
1. النماذج اللغوية العملاقة (LLMs) وتطوير “لياما 3”
أطلقت ميتا مؤخرًا الجيل الثالث من نموذجها اللغوي المفتوح المصدر “لياما” (LLaMA)، وهو *”لياما 3″، الذي يُعتبر تطورًا كبيرًا مقارنة بالإصدارات السابقة. يتميز هذا النموذج بقدرة أعلى على فهم السياقات المعقدة، وتوليد نصوص أكثر دقة، مع تقليل التحيزات في المخرجات. وفقًا للشركة، تم تدريب النموذج على مجموعة بيانات متنوعة تضم تريليونات الكلمات، مع تحسين كفاءة استهلاك الطاقة بنسبة 40% مقارنة بلياما 2.
تهدف ميتا من خلال إتاحة هذه النماذج للمجتمع البحثي إلى دفع عجلة الابتكار المشترك، حيث تُستخدم لياما بالفعل كأساس للعديد من المشاريع الأكاديمية والشركات الناشئة.
2. الذكاء الاصطناعي متعدد الوسائط
تعمل ميتا على دمج الرؤية الحاسوبية والصوت ومعالجة اللغة الطبيعية في أنظمة ذكاء اصطناعي موحدة. أحد أبرز مشاريعها هو *”مشروع ImageBind”*، الذي يربط بين ستة أنواع من البيانات (نص، صورة، صوت، عمق، حركة حرارية، وإيماءات) في نموذج واحد، مما يسمح للذكاء الاصطناعي بفعالية أكبر في تطبيقات مثل الواقع المعزز (AR) والافتراضي (VR).
كما أعلنت الشركة عن *”SeamlessM4T”*، نموذج ترجمة فورية متعدد اللغات يدعم الكلام والنص بـ 100 لغة، بهدف كسر الحواجز اللغوية في منصات مثل فيسبوك وإنستجرام.
- معالجات مخصصة للذكاء الاصطناعي: MTIA*
لتلبية احتياجات الحوسبة الضخمة للذكاء الاصطناعي، طورت ميتا معالجًا خاصًا يُسمى “MTIA” (Meta Training and Inference Accelerator)، المصمم خصيصًا لتشغيل نماذج التعلم العميق بكفاءة. يُقلل هذا المعالج من الاعتماد على شرائح خارجية، ويُحسن أداء الخوارزميات في خدمات مثل التوصيات المخصصة وتصفية المحتوى.
- التركيز على الذكاء الاصطناعي المسؤول
في ضوء المخاوف الأخلاقية، أطلقت ميتا مبادرة “Purple Llama”، التي توفر أدوات مفتوحة المصدر لقياس مخاطر نماذج الذكاء الاصطناعي، مثل التضليل أو التمييز. كما تعاونت مع منظمات مثل “Partnership on AI” لضمان تطوير تقنيات تتماشى مع المعايير الإنسانية.
- تطبيقات عملية في منتجات ميتا
– فيسبوك وإنستجرام: استخدام خوارزميات التوصيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة المستخدم، مثل اقتراح المحتوى والإعلانات.
– واجهات محادثة متقدمة: تطوير روبوتات دردشة تفاعلية قادرة على مساعدة المستخدمين في خدمات الدعم الفني.
– الواقع الافتراضي: دمج الذكاء الاصطناعي في نظارات “ميتا كويست” لتحليل البيئة المحيطة في الوقت الفعلي.
شراكات بحثية وتعليمية
تعزز ميتا تعاونها مع الجامعات ومراكز الأبحاث، مثل مشروع FAIR (Facebook AI Research)، الذي يدعم علماء من حول العالم في مجالات مثل الرؤية الحاسوبية ومعالجة اللغات الطبيعية.
- التحديات والرؤية المستقبلية
رغم التقدم الكبير، تواجه ميتا تحديات تتعلق بالخصوصية والاستهلاك الطاقة لمراكز البيانات. لكن الشركة تعول على استراتيجية *”الذكاء الاصطناعي المفتوح”* لتحقيق التوازن بين الابتكار والمسؤولية. مستقبلًا، من المتوقع أن تدمج ميتا الذكاء الاصطناعي بشكل أعمق في رؤيتها للـ *”ميتافيرس”*، مما سيغير طريقة تفاعلنا مع العالم الرقمي.
تضع ميتا الذكاء الاصطناعي في صلب استراتيجيتها التكنولوجية، مع التزام واضح بالشفافية والتعاون العالمي. بينما تبقى الأسئلة الأخلاقية قائمة، فإن إسهاماتها البحثية والمفتوحة المصدر تُعتبر خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر ذكاءً.